بعد تناول العديد من "الأشياء" التي ساهمت في تشكيل وجه الاقتصاد المعاصر في الجزء الأول كما حددت رؤية مؤلف الكتاب الاقتصادي الأبرز في عام 2017 "تيم هارفورد" وفقا لشبكة بلومبرج وصنداي تايمز وفاينانشيال تايمز.
نواصل رصد بقية "الأشياء الخمسين" المسؤولة عن الشكل الحالي لوجه الاقتصاد العالمي.
أنظمة جديدة كليًا
ويشمل هذا القسم العوامل التي ساهمت في تطوير الاقتصاد العالمي بعض الأنظمة التي ظهرت لتشكل قفزة نوعية ساهمت في تطوير الاقتصاد.
ويأتي نظام الـ"باركود" كأول تلك الأنظمة، حيث ساعدت علامات تم رسمها لأول مرة على الرمال في ازدهار ونمو المتاجر الكبرى.
فتلك العلامات أسهمت في تواجد مئات بل آلاف المنتجات بمتاجر التجزئة على أن يتم حساب قيمة كل منها بسهولة ويسر بسبب ترقيمها الفريد.
أما حاويات الشحن، فيرى الكتاب أن التجارة العالمية تغيرت بالكامل بسبب فكرة وضع المواد المراد شحنها في "علب "معدنية كبيرة.
وسمح وجود تلك الحاويات بشحن السلع بشكل منظم بل وشحن سلع مختلفة على متن نفس السفينة، مما يسر عمل حاويات الشحن العملاقة وجعلها أكثر كفاءة.
أما المصعد فلا تقتصر أهميته على فكرة تسهيل الصعود والنزول من المباني، ولكن وجوده والكفاءة المتنامية التي يعمل بها سمحت بتغيير كامل لشكل المدن وبناء ناطحات السحاب.
ولا شك أنه لا يمكن تخيل وجود المباني العملاقة التي تتزايد في مختلف المدن العالمية دون اختراع المصعد.
وتأتي "مكتبة بيلي" لتحتل مكانها في قائمة "الأنظمة الجديدة"، وهي مكتبة تم تصميمها بواسطة أحد موظفي شركة إيكيا السويدية للأثاث عام 1979.
ومكتبة بيلي هي مكتبة صغيرة توضع فيها الكتب، ومصممة بذكاء شديد بحيث تكون صغيرة الحجم وقليلة التكلفة، حتى أن العالم ينتج مكتبة منها كل 3 ثوان.
أما خطوط الإنتاج والتوزيع المُبردة فلا شك أن وجود الثلاجات ساهم في تطوير الصناعات الغذائية فمن الجبن والألبان إلى اللحوم والسمك وجميع الأغذية التي تفسد سريعا.
ويوجد الكثير من المنتجات التي لم يكن من السهل وصولها للمستهلكين دون أن تكون هناك سلسلة كاملة للإنتاج والتوزيع تراعي درجات الحرارة المنخفضة الضرورية لحفظ تلك الأغذية.
ويأتي اختراع "عصا تالي" ليشكل تطورًا كبيرًا للغاية في مجال الحسابات وتخزين البيانات.
والعصا كانت اختراعًا بدائيًا لتدوين البيانات، وكان لها نوعان الأول عريض ويكتب عليه الناس قديمًا لكي يتذكروا والثاني مشطور ويستخدم في إجراء الحسابات.
وسمحت العصا للقدماء أخيرًا بتخطي الرقم 10 الذي لم يستطيعوا تجاوزه من قبل بالعد على أصابع اليدين.
وفي الحالتين شكل الأمر نقلة نوعية في مجال تخزين المعلومات وإجراء الحسابات قبل أن تتطور فكرة الحساب والتخزين لتصبح إلكترونية في عصرنا هذا.
ويعتبر حفظ البيانات المحاسبية وتسجيل الديون والإيرادات بمثابة التطور العصري لعصا تالي التي كانت نقلة نوعية من الاحتفاظ بالبيانات في عقول البشر إلى تدوينها.
ويأتي الدينامو ليشكل أحد أهم الاختراعات أهمية في تاريخ البشرية لأنه يسمح بتوليد الطاقة الكهربائية من نظيرتها الميكانيكية، ولا حاجة لنا بشرح أهمية الكهرباء في كل مناحي الحياة.
اختراعات "النقلة النوعية"
وتضم تلك المجموعة عددًا من الاختراعات التي شكلت نقلة نوعية للاقتصاد الحديث.
ويأتي "آيفون" في صدارة تلك الاختراعات، ويقول الكاتب إن الأمر ليس قاصرًا على الجوال الأمريكي فقط لكن الفكرة التي توفرها الهواتف الذكية.
فالجوال يضم خرائط ويحدد الأماكن ويبحث على الإنترنت وبه كاميرا وعدد من الوظائف الأخرى، خلافًا لوظيفته الأساسية كهاتف لإجراء المكالمات الهاتفية.
أما محرك الديزل الذي مات مصنعه رودلف ديزل في ظروف غامضة بعد أن غير اختراعه العالم، فلا شك أن اختراعات مثل السيارات والطائرات لم يكن لها أن تعمل دونه حيث شكل كثيرًا من ملامح حياتنا المعاصرة.
أما الساعة فعلى الرغم من أن اختراعها تم عام 1656، إلا أن أهميتها بدأت تتعاظم مع الاعتماد عليها بالحياة العامة في العصر الحديث.
فالطائرات والقطارات وغيرهما من وسائل المواصلات تعتمد بشكل رئيس على اختراع الساعة، وكذلك جداول الإنتاج، بل حضور وانصراف الموظفين.
وتأتي عملية هابر-بوش التي ابتكرها عالم ألماني يدعى "فريتز هابر" قبل أن يطورها عالم ألماني آخر يدعى "كارل بوش" ضمن اختراعات "النقلة النوعية".
وتقوم العملية حول دمج الهيدروجين مع النيتروجين تحت ضغط جوي عال بما يسمح بتكوين الأمونيا (النشادر) ذات الاستخدامات الواسعة في الصناعة الحديثة.
أما الرادار فهل يمكنك تخيل عالم اليوم بلا طائرات نقل بضائع وركاب أو سفن عملاقة لنقل البضائع.. حسنًا الرادار جعل ذلك ممكنًا.
ومنحت فكرة استخدام البطاريات في حد ذاتها المرونة للناس في إمكانية "حمل الطاقة" أو "تخزينها" مما شكل نقلة نوعية.
وسمحت البطاريات بظهور الجوالات وباستخدام السيارات بصورة أكبر وبتخزين الطاقة الشمسية فضلًا عن مئات التطبيقات الأخرى.
ولا شك أن التطور المستقبلي لقدرات البطاريات أيضًا سيكون حاسمًا في تشكيل مستقبل الاقتصاد بل والعالم كله.
أما البلاستيك فيدخل تقريبًا في صناعة كل شيء حاليًا من الأثاث إلى السيارات إلى أدوات المستشفيات وكل شيء تقريبًا.
وتشير الإحصائيات إلى أن 8% من الإنتاج العالمي للنفط يتحول إلى بلاستيك، بما يشير إلى الحجم الكبير لتأثيره على الاقتصاد الحديث.
اليد الظاهرة!!
وتشمل تلك المجموعة عددًا من العوامل التي لها تأثير ظاهر وواضح للغاية على الاقتصاد الحديث.
وتأتي الخدمات البنكية في صدارة تلك العوامل، فلا يمكن تصور عالم اليوم بلا بنوك تسمح بالتحويلات النقدية والخدمات الائتمانية.
وعلى الرغم من ظهورها الغامض والغريب في بادئ الأمر، والمرتبط حتى ببعض العصابات في الغرب، إلا أن الخدمات البنكية الحديثة أصبحت من المظاهر الثابتة للعالم الحديث.
أما شفرة الحلاقة (التي تستخدم مرة واحدة) فعلى الرغم من أن العلامة التجارية الشهيرة "جيليت" التي تملكها "بروكتر آند جامبل" صممت هذا النصل الحاد لكي يقوم بالحلاقة بالأساس إلا أنه تطور كثيرًا.
وفتح ظهور شفرة الحلاقة الباب لاستخدام "النصل الحاد" في بعض الصناعات، بما شكل تقدمًا لافتًا يستخدم في الاقتصاد الحديث بكثافة.
وتأتي الملاذات الضريبية ضمن أشكال العوامل التي أثرت بشدة في الاقتصاد الحديث، وهي تلك الدول التي لا تفرض ضرائب كبيرة على المقيمين بها وتسمح لهم بسرية كبيرة لحساباتهم.
وسمحت هذه الفكرة بوجود دول توجد بها ثروات كبيرة دون أن تقوم بالمشاركة في الإنتاج العالمي بشكل كبير.
أما تكريرالوقود فنقل النفط من صورته الخام لأنه في حالته تلك ليس مؤهلًا للمشاركة في الكثير من الصناعات.
وبمجرد تكريره تبدأ منافعه الجمة في الظهور لا سيما في مجال النقل وتوليد الكهرباء بما عاد بالنفع الكبير على الاقتصاد.
وبمجرد تكريره تبدأ منافعه الجمة في الظهور لا سيما في مجال النقل وتوليد الكهرباء بما عاد بالنفع الكبير على الاقتصاد.
ويحتل اكتشاف المضادات الحيوية مكانًا مميزًا ضمن قائمة الـ50 التي غيرت شكل اقتصادنا المعاصر.
فعلى الرغم من أن العديد من التقارير تتناول تأثير المضادات الحيوية بشكل سلبي إلا أنه لا يمكن إنكار دورها الرئيسي في المحافظة على الصحة العامة بما يسهم بالطبع في التنمية الاقتصادية.
أما نظام "إم- بيسا" فهو نظام بدأته مجموعة من شركات تشغيل الجوال في كينيا وتنزانيا عام 2007، ويقوم على تحويل الأموال باستخدام الهواتف المحمولة.
ولا شك أن في ذلك تسهيلا كبيرا للتحويل وتقليلا للمخاطرة المرتبطة بحمل الأموال، ولذا بدأت الشركات المشغلة لشبكات الجوال في تطبيقه في دول أخرى بعد ذلك.
وجعل تسجيل الملكيات الاستثمار أمرًا أكثر أمانا مما سبق، غير أن ملكيات بقيمة تربو على تريليونات الدولارات مملوكة لفقراء في دول نامية لم يتم تسجيلها بعد.
اختراع العجلة
وتضم تلك المجموعة بعض الاختراعات التي يمكن القول "إن لها ما بعدها" أي أن تأثيراتها تخطت مجرد التأثير المحدود لاكتشاف أو اختراع تقليدي.
فـ"الخراسانة المسلحة" حسّنت من الصحة العامة بعد توفير مبان بمواصفات خاصة ومن النمو الرأسي في تشييدها بأشكال وتصميمات متنوعة.
أما الورق فعلى الرغم من أن الكثيرين ينسبون الفضل إلى مطبعة جوتنبرج في تطوير العلم والمساهمة في نشر الثقافة والأدب والعلوم، إلا أن تلك المطبعة لم تكن لتعمل من الأصل لو لم يتم اختراع الورق.
وفي العصور القديمة كان التأمين بمثابة مقامرة غير مضمونة العواقب على المستقبل، غير أنه في الاقتصاد الحديث بمثابة أحد الأعمدة الرئيسية للنمو.
فالتأمين بمثابة التزام ثنائي، فمن جهة الشركات تلتزم بمعايير أمان تفرضها شركات التأمين وفي نفس الوقت تترك أصولها دون قلق اعتمادًا على ضمان شركات التأمين.
وساهم الاستثمار في البورصة وتحديدًا فكرة ظهور المؤشرات (مثل مؤشر داو جونز للصناعات) في توسيع الاستثمارات كثيرًا وحصول الشركات على الأموال اللازمة لتوسيع نشاطها.
ومع استمرار تطور الأمر فإن وارين بافت الملياردير الأمريكي الشهير ينصح المستثمرين بأن يستثمروا في البورصة وتحديدًا بعض المؤشرات الأكثر نجاحًا.
أما النقود الورقية فلك أن تتخيل خطورة حمل عدة كيلوجرامات من الذهب لإبرام صفقة ما أو أن تستخدم عملات ذهبية بأوزان مختلفة كي تشتري احتياجات المنزل.
مثل هذا التصور سيعين على معرفة أهمية النقود الورقية لا سيما مع التعقيد الكبير الذي تتسم به معاملات اليوم وتعددها مقارنة بمعاملات الأمس.
"الماسورة المقوسة".. وعلى الرغم من بساطة هذا الاختراع، إلا أن تصور كيف كانت لندن منذ مئات الأعوام قد يعيننا على تصور أهميته.
فقد تسبب تحويل مياه الصرف الصحي في نهر التيمز في تحوله إلى "بركة قذرة كبيرة نتنة الرائحة صفراء إلى بنية اللون"، قبل أن يسهم ظهور الماسورة الملتوية في تطوير الصرف الصحي والتخلص من تلك الكوارث البيئية.
مسك الختام
ويرى الكتاب أن المصباح الكهربائي يعد "مسك الختام" لقائمة الـ50 عنصرًا التي شكلت الاقتصاد الحديث.
فالمصباح جعل تكلفة الإضاءة لا تذكر بعد أن كانت حكرًا على الأغنياء فحسب، كما جعل من الممكن تواصل الإنتاج والعمل ليلًا ونهارًا.
وطرح مؤلف الكتاب تساؤلًا عما قد يكون الشيء الـ51 الذي يمكن إدراجه في قائمته، وطرح الأمر للتصويت العام على مواقع التواصل الاجتماعي.
ووضع"هارفورد" ستة اقتراحات لهذا الغرض وهي: كروت الائتمان، الري، الزجاج، نظام تحديد المواقع باستخدام الأقمار الصناعية، القلم الرصاص، جداول البيانات.
وبعد إجراء الاستفتاء أعلن في أكتوبر 2017 أن كروت الائتمان فازت بموقع العنصر الـ51 الذي شكل اقتصادنا الحديث، ليكتمل عقد "الأشياء" التي جعلت اقتصاد عالمنا على ما هو عليه اليوم.
تعليقات
إرسال تعليق