التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مقال للد كتور / محمد ال عباس

أخيرا بدأت مشكلة ارتفاع أقساط القروض في الظهور على السطح فجأة والمصارف تفسر ذلك بالتغير في سعر "السايبر"، وهذا إعلان واضح أن هناك علاقة بين "السايبر" وقيمة الرهون العقارية، فإذا تغير "السايبر" بالارتفاع عدلت المصارف الفائدة على العملاء وارتفعت بذلك قيمة الفائدة على القروض، وإذا كان الراتب هو الرهن الحقيقي الضمني، بينما العقار هو الظاهر في الصورة فإن أسعار العقارات المرهونة سترتفع أيضا. وإذا استمرت الحال هكذا فإننا سنشهد ظواهر اقتصادية في السوق العقارية غير مبررة بقاعدة العرض والطلب، ولست هنا أتنبأ بموجة من ارتفاع أسعار العقار، لكن أكاد أجزم بأن انفصالا حادا بين أسعار العقار وبين السوق العقارية نفسها سيكون ظاهرا لا محالة.
لقد تجاوزت القروض العقارية للمصارف السعودية للأفراد قيمة 115 مليار ريال خلال النصف الثاني من هذا العام، وإذا أضفنا 12 مليارا أخرى من شركات التمويل المتخصصة فإن الإجمالي يقترب من 130 مليارا، جميعها مضمونة برهن الراتب. ولست ضد تقديم الضمانات من أجل الفوز بقرض عقاري، لكن يجب أن يكون العقار نفسه هو الضمانة الأساسية، وليس أي ضمانة أخرى. تقييم الملاءة المالية للعميل جزء أساسي من عملية اتخاذ القرار بشأن منح القرض العقاري، لكن هذا التقييم يجب ألا يتجاوز حدود تقدير المخاطر الائتمانية ومن ثم تحديد سعر الفائدة الواجبة، لكن أن تتحول قائمة "سمة" إلى رهن آخر مع الراتب فإننا نقود الاقتصاد إلى كارثة.
لتوضيح الأمور أذكّر الجميع بالأزمة المالية التي أصابت الولايات المتحدة بسبب الرهون العقارية السيئة، فلقد بالغت المصارف في تقييم العقارات التي قامت بتمويلها، لأسباب غير مفهومة حتى الآن، لكن من المؤكد أن التغيرات في أسعار الفائدة، وأيضا معدلات الفائدة بين المصارف "السايبر" تسببت في الكارثة التي حصلت هناك، لقد استندت المصارف في تمويلاتها إلى ضمانات هشة جدا، وكان يتم التساهل في منح القروض بعيدا عن التقييم الحقيقي للعقار نفسه، وعلى أساس أن التقييم المبالغ فيه للعقارات سيمنح المصارف الأمريكية القدرة على الوصول إلى النقد من خلال بيع سندات أو الحصول على سيولة من مصارف أخرى بضمان تلك العقارات المبالغ في تسعيرها، وهكذا كلما ارتفعت أسعار العقارات كانت المصارف في وضع جيد، أو هكذا اعتقد الجميع، ولهذا نفخ الرأسماليون المصرفيون تحت قدر أسعار العقار، ثم لما بدأت الطبيعة تأخذ مجراها كسيل جارف يمر في مساره بغض النظر عمن قرر البقاء في الوادي، انهارت الأسعار وانجرف الجميع مع السيل. لقد فشلت المصرفية الأمريكية في مواجهة طوفان تصحيح التقييم السيئ للعقارات فكيف بنا نحن هنا في المملكة والنظام المصرفي لا يملك الأدوات القادرة على فعل ما فعله "برناركي" و"بولسون"، وليس لدي هنا أفضل من نقل حديث "برنانكي"رئيس البنك الفيدرالي الأمريكي خلال الأزمة المالية، حيث قال: "إن قيادة الاقتصاد الأمريكي في نظره تشبه قيادة سيارة متهالكة وأنت تحاول ألا تنحرف بها عن المسار، ثم تنتابك الدهشة بعد ذلك إذا انحرفت فعلا). وحتى لا تنتابنا الدهشة إذا انحرفت بنا المصارف فإنه يجب إجبارها اليوم على التوقف عن رهن الراتب كضمان للقرض العقاري، والعودة إلى التقييم الحقيقي للعقارات كضمانة أصيلة.
للفهم، فقد تنبأت من قبل بأن تصرفات المصارف في التمويل غير المدروس ستقود إلى رفع أسعار العقار حتى لا تستطيع شريحة واسعة من المواطنين دفع القسط العقاري، وبالتالي ستتقلص عمليات الشراء كلما خرجت شريحة من المواطنين، وإذا كان الطلب على السكن مدفوعا بالشباب حديثي الزواج، فإن متوسط الراتب عند هذه الفئة سيكون أقل بكثير من قيمة القسط الشهري العقاري. وسيكون الخيار المتاح الوحيد للسكن هو الإيجار لأنه سيصبح أقل بكثير من قيمة قسط القرض، وبهذا ستكون العوائد الحقيقية على الاستثمار العقاري طويل الأجل أقل من 5 في المائة في العموم، لكن رغم ذلك ستبقى أسعار العقارات مرتفعة، وإذا كانت الحالة هذه فإن السؤال الطبيعي هو: لماذا لا تتراجع أسعار العقار طبقا للعوائد في السوق؟ وهنا أقول ـــ في إجابة محتملة وليست جازمة ـــ إن المصارف هي التي تعمل على الحفاظ على الأسعار مرتفعة من خلال إعادة رهن العقارات للحصول على النقد من مصارف أخرى أو من مؤسسة النقد بناء على قاعدة "السايبر" و"الريبو"، ولضمان الحصول على نقد مرتفع يجب أن تبقى أسعار العقارات مرتفعة. والمسألة هكذا فإذا ارتفعت أسعار الفائدة بين المصارف "السايبر" عادت المصارف لرفع الفائدة على المقترضين العقاريين وبذلك رفعت قيمة القرض، ولأن القرض مرهون براتب وليس بقيمة العقار، فإذا ارتفعت قيمة القرض بسبب تغير سعر الفائدة ارتفعت قيمة العقار لأنه سبب القرض والمرهون شكلا، "فالمسألة في ظاهرها وشكلها هي رهن عقار بين المصارف من أجل الفوز بالنقد السائل، لكن الأصل في العملية هو رهن رواتب الموظفين المقترضين للحصول على النقد السائل، والعقار مجرد غطاء وهمي".
إذا فالقول بإيقاف رهن الراتب سيقود إلى كشف وإظهار حقيقة اعتماد المصارف عليه لتبرير كثير من تصرفاتها المالية، كما أن العودة إلى اعتماد قيمة العقار نفسه كرهن هي التي ستضمن لنا ولو مؤقتا تصحيح العلاقة بين السوق العقارية وأسعار العقار، إذا يجب ألا تتدخل متغيرات أخرى غير العرض والطلب في تحديد الأسعار، كما يجب أن تقف المصارف عن الضغط على بعضها بعضا في عدم تمويل من يظهر في قائمة "سمة"، يجب أن تستخدم قائمة "سمة" لتحديد معدلات الفائدة الإضافية ولكنها ليست نوعا من أنوع الرهن، لقد تحولت "سمة" إلى رهن جديد يمكن بيعه في الأسواق، فالمتعثر وفقا للنظام القائم ملزم بالسداد وإلا سيبقى ممنوعا من الاقتراض والحصول على الخدمات المصرفية المختلفة، وهذا سيؤدي حتما إلى مسارعة كل من يظهر في قوائم "سمة" إلى السداد حلا للخلاف بينه وبين المصرف سواء كان على حق أم لا. مثل هذه الضمانة مع الراتب المرهون تجعل المصارف تتساهل في عملية تقييم العقارات وتحديد أسعارها الفعلية، وهذا يقودنا إلى المشكلة نفسها من انفصال الأسعار عن السوق الفعلية. إذا أوقفوا رهن الراتب ورهن قائمة "سمة" قبل ألا نجد حلا غير إعلان إفلاس المصارف عندما يتوقف الناس عن دفع الأقساط مرغمين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدعاية, مفهومها,نشأتها, أهميتها ( علاء درويش )

v تعريف الدعاية : لما كانت الدعاية من الكلمات التي لم يتم الاتفاق على مفهومها حتى الآن ونظراً لما عانته من استخدامات معقدة في أنظمة مختلفة تسببت في تشويه الكلمة وتغيير دلالتها فإنه ينبغي علينا كباحثين أن نسعى إلى التوضيح ونبعد عن الغموض [1]   . فهنالك الكثير من التعاريف سوف نعرض بعضها فيما يلي : الدعاية في الاصطلاح : هي التأثير على سلوك الآخرين ومعتقداتهم بواسطة الاستخدام الانتقائي المدروس للرموز ونشرها سواء أكانت الرموز لفظية أم سمعية , أم بصرية أم إدراكية والتركيز على الكلمة المنحوتة أم المقروءة المسموعة أم مصورة أم مرئية [2] . كما تعرف الدعاية في دائرة المعارف الأمريكية بأنها جهود يتوفر فيها عامل التعمد والقصد في العرض والتأثير وهي جهود منظمة مقصودة للتأثير في الغير وفق خطة موضوعة مسبقاً لإقناعه بفكرة أو سلعة أو رأي بهدف تغيير سلوكه وتعمد إحداث تأثير على الآراء و الاتجاهات والمعتقدات على نطاق واسع عن طريق الرموز و الكلمات و الصور وإيماءاتها المختلفة , ولهذا التأثير المتعمد جانبان : جانب إيجابي يهدف إلى غرس بعض الآراء والاتجاهات , وجانب سلبي يعمل على إضعاف أو تغيير الآراء و

بحث عن ادارة النقدية ( محمود عبود )

المحتويات 1_ مقدمة 2_ مفهوم السيولة النقدية وأهميتها 3_ دوافع الإحتفاظ بالنقدية 4_ تبويب التدفقات النقدية 5_ أهداف إدارة النقدية 6_ التخطيط النقدي وإعداد بيان التدفق النقدي :         *ماهيته         *مبرراته          * فترته         * العلاقة بين بيان التدفق النقدي والموازنة التخطيطية (التقديرية)         * أساليب إعداد بيان التدفق النقدي ( الموازنة النقدية التقديرية):                _ أسلوب قائمة المقبوضات والمدفوعات                _ أسلوب تعديل قائمة الدخل 7_ إدارة الإستثمارات المؤقتة : ·        ماهيتها ·        أهم الأدوات المستخدمة فيها  ·        أسس المفاضلة بين الإستثمارات المؤقتة ·        حدود الإستثمار في النقدية والإستثمارات المؤقتة  8_ الأساليب الكمية في تحديد الحجم الأمثل للنقدية الواجب الإحتفاظ بها:                 _ أسلوب نموذج الكمية الإقتصادية للمحزون السلعي                 _ نموذج حدود الرقابة (ميلر وأور ) 9_ تقييم كفاءة إدارة النقدية   10_ الخلاصة 11_ المراجع 1 -مقدمة: تعتبر إدارة النقدية إحدى أهم

شرح مبسط لفترة الاسترداد مع مثال

2- فترة الاسترداد :  ويقصد بها الفترة الزمنية التي تسترد خلالها التكلفة المبدئية من المتحصلات النقدية ، وتقوم هذه الطريقة  على أنه كلما استردت قيمة الاستثمار في وقت أقصر كلما كان الاستثمار مقبولا أكثر .  ويعبر عن فترة الاسترداد بعدد السنوات ، ويتم احتساب فترة الاسترداد حسب الحالات التالية  :         أ- حالة تساوي التدفقات النقدية الداخلية :        فترة الاسترداد =     إجمالي الاستثمار المطلوب                               صافي التدفقات النقدية الداخلة سنويا وتحسب فترة الاسترداد ، كما يتضح من المعادلة السابقة ، بقسمة قيمة الاستثمار على صافي التدفقات النقدية الداخلة السنوية التي يدرها هذا الاستثمار ، فإذا كانت آلة جديدة ستحل محل آلة قديمة فيجب الأخذ في الاعتبار القيمة التخريدية للتخلص من الآلة القديمة وبحيث تخصم من تكلفة الآلة الجديدة ، بالإضافة لذلك فإن أي مبالغ استقطعت مقابل الاستهلاك عند حساب صافي الدخل للاستثمار يجب إعادتها مرة أخرى حتى يمكن الحصول على صافي التدفق النقدي الداخل السنوي ، باعتبار الاستهلاك قيد دفتري لا يترتب عليه أي تدفقات نقدية خارجة .  مثال 1 :  تح