التخطي إلى المحتوى الرئيسي

بنوكنا السعودية.. هل تفتعل أزمة إعلامية مع هيئة الزكاة؟ ( د. محمد سالم الصبان )

أثارت البنوك السعودية منذ الأسبوع الماضي ضجة -أزعم أنها مفتعلة- بخصوص مطالبات هيئة الزكاة والدخل لها بدفع فروقات الزكاة المفروضة على صافي أرباحها لسنوات مضت، بعد تعديل طريقة احتسابها ضمن الحد الشرعي وهو (2.5%). وما كانت تلك البنوك بحاجة لإثارة تلك الضجة؛ لأنَّ النظام قد كفل لها حقَّ الاعتراض، ثُمَّ التَّرافُع والتَّظلم والاستئناف حتَّى الوصول إلى كلمة سواء بينها وبين هيئة الزكاة.
صحيح أنّنا نفتخر بريادة القطاع البنكي في اقتصادنا السعودي وقدرته على استيعاب وتدريب أعداد كبيرة من السعوديين حتى يكاد يكون أكثر القطاعات تشغيلًا للعمالة الوطنية، إلَّا أنّه في الوقتِ نفسه يتمتع بمزايا عديدة لا تتوفر للبنوك المثيلة عالميًّا؛ فهو يحقِّق أرباحًا سنوية مرتفعة بكل المقاييس، حتى في ظل الركود النسبيِّ الذي يعيشه اقتصادنا السعودي حاليًّا. والأرباح السنوية لذلك القطاع قد يصلُ صافيها إلى أكثر من (50%) من رأس المال، وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ محدودية مُلاك أسهم هذه البنوك تجعلهم يستأثرون بجزء كبير من هذه الأرباح، عدا أنهم يتحكمون من خلال عضويتهم في مجالس إدارة هذه البنوك في مختلف القرارات، وقد يضاربون في سوق المال وفْق قرارات سيتخذونها لاحقًا فيُحققوا أرباحًا إضافية.
لا أحد ينادي بالتأثير سلبًا على قطاعنا البنكي؛ فهو الذي يحمل اقتصادنا بين ذراعيه نحو الأفضل. لكنَّ محاولته كسب التعاطف الشعبي -في وقت تجهل فيه الغالبية أسباب مطالبات هيئة الزكاة والدخل-، قد جاءت بنتائج عكسية لِما يُريده ذلك القطاع؛ فالنقاش العام الدائر في وسائل التواصل الاجتماعي هذه الأيام يتركَّز حول قُصور أداء البنوك في ظل أرباحها الفاحشة، كما يستذكر البعض حادثة الفساد المكتشف في البنك الفرنسي، والفساد الذي تعيشه بعض البنوك بشكل عام. ناهيك عن سوء أداء بعضها.
والجميع يُدرك مدى قوة اللوبي البنكي لدينا وقدرته على التأثير في القرارات التي تصدر عن الحكومة، ممثلة في مؤسسة النقد العربي السعودي. ويُعَدّ هذا اللوبي، ولوبي صناعة البتروكيماويات لدينا الأشدَّ تأثيرًا على طبيعة ما يُتخذ من قرارات عُليا تَخصُّ هذين القطاعين.
وأستغرب تَناسِي القطاع البنكي للمزايا التي يتمتع بها مقارنة بغيره من البنوك العالمية، ويمكن تلخيص تلك المزايا في النقاط التالية:
أولا: إن معظم الودائع التي تنساب إلى البنوك هي أموال شبه مجانية لا يتقاضى الأفراد المُودِعونَ أيَّة فوائد منها، وبالتالي تُصبح أموالًا مجانية تستثمرها البنوك وتحقق منها أرباحاً طائلة، في حين تُحقِّق أرباحًا طائلة جَرَّاءَ إقراض الجزء الأكبر من هذه الودائع بفوائد مرتفعة.
ثانيا: لا تفرض الحكومة أيَّة ضرائب على دخل هذه البنوك، مثلما يُفرض على البنوك العالمية من ضرائب تصل نسبتها إلى (40%) في معظم دول العالم، إضافة إلى نسبة (2.5%) للزكاة.
وقد استغربت في نقاشي قبل يومين مع بعض رجال البنوك الذين يقودون حملة «حياة أو موت» ضد مطالبات هيئة الزكاة والدخل، بحجة أن نسبة الـ (2.5%) مخصص الزكاة تعادل ما بين (30%-50%) وقد اعتبروها مبالغة قصوى تستدعي تلك الضجة الإعلامية التي يقومون بالترويج لها. ولو كان ما يُروِّجون له صحيحًا لَما انتعش هذا القطاع خلال العقود المتوالية، في فترات الشدة الاقتصادية كما في فترات الرخاء.
رابعا: إذا تتبعنا الدور أو المساهمات الاجتماعية لبنوكنا نجدها تقترب من درجة الصفر، في حين نجد مثيلاتها من البنوك العالمية تساهم في المشروعات الخيرية وبناء المدارس ودُور العَجَزَة وغيرها من المساهمات، ولا تنتظر من يحركها في هذا الاتجاه. هذا، وتستغل بنوكنا تَجَنُّب البعض لتمويل البنوك -ولوكان ذلك للأعمال الخيرية- وتردد مقولة أهل مكة الكرام: «جات منك يا نافع».
خامسا: تتَّصِفُ بنوكنا بكونها شِبه احتكارية في ظل الاكتفاء بالثلاثة عشر بنكًا القائمة حاليًا في المملكة، والظروف الاقتصادية الحالية تستدعي فتح المجال لأكبر عدد منها؛ لإيجاد البيئة التنافسية المطلوبة والتي ستنعكس إيجابًا على التكلفة والخدمة المقدمة.
صحيح أنَّه قد مُنحت تراخيص لبنوك عالمية لفتح فروع لها في المملكة، لكنَّ ذلك لا يكفي لأنَّ معظم تلك البنوك متخصصة في خدمات محددة وليست شاملة. وفي رأيي المتواضع فإنَّ الوضع الذي عليه القطاع البنكي حاليًّا يجب أن لا يستمر.
وختامًا، وكما عرفنا، فإنَّ المطالبات الأخيرة لهيئة الزكاة والتي تقدر قيمتها بسبعة مليارات ريال، -وهي فُروقات على جميع البنوك بنسبٍ متفاوتة- ما زالت محل نقاشٍ بين الهيئة والبنوك، بعد أنْ قدَّمتْ لجنة برئاسة محافظ مؤسسة النقد السابق، توصياتها بصدد ذلك. وبناءً على ذلك كانَ من الأولى مناقشتها داخل الغرف وليس نشرها.
وبخطوة البنوك تلك، وهي نقل النقاش للعامة إعلاميًّا، تزايدت المطالبات بضرورة إصلاح هذا القطاع وتنقيته من أيِّ فساد قائم أو محتمل، وغربلة مجالس الإدارات وفتحها لدماء جديدة من مختلف المناطق، دون النظر إلى الحصص المملوكة، وتطبيق حوكمة صارمة. ومن الضّروري عدم استثناء هذا القطاع المهمِّ من عمليات تحسين الأداء والتقليل من الهدر والاحتكار في ظل رؤيتنا (2030). فقطاعنا البنكي وصندوق الاستثمارات العامة هما عماد هذه الرؤية وعماد تحقيق التنوع الاقتصادي المنشود بإذن الله وتوفيقه.
 
نقلا عن عكاظ

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدعاية, مفهومها,نشأتها, أهميتها ( علاء درويش )

v تعريف الدعاية : لما كانت الدعاية من الكلمات التي لم يتم الاتفاق على مفهومها حتى الآن ونظراً لما عانته من استخدامات معقدة في أنظمة مختلفة تسببت في تشويه الكلمة وتغيير دلالتها فإنه ينبغي علينا كباحثين أن نسعى إلى التوضيح ونبعد عن الغموض [1]   . فهنالك الكثير من التعاريف سوف نعرض بعضها فيما يلي : الدعاية في الاصطلاح : هي التأثير على سلوك الآخرين ومعتقداتهم بواسطة الاستخدام الانتقائي المدروس للرموز ونشرها سواء أكانت الرموز لفظية أم سمعية , أم بصرية أم إدراكية والتركيز على الكلمة المنحوتة أم المقروءة المسموعة أم مصورة أم مرئية [2] . كما تعرف الدعاية في دائرة المعارف الأمريكية بأنها جهود يتوفر فيها عامل التعمد والقصد في العرض والتأثير وهي جهود منظمة مقصودة للتأثير في الغير وفق خطة موضوعة مسبقاً لإقناعه بفكرة أو سلعة أو رأي بهدف تغيير سلوكه وتعمد إحداث تأثير على الآراء و الاتجاهات والمعتقدات على نطاق واسع عن طريق الرموز و الكلمات و الصور وإيماءاتها المختلفة , ولهذا التأثير المتعمد جانبان : جانب إيجابي يهدف إلى غرس بعض الآراء والاتجاهات , وجانب سلبي يعمل على إضعاف أو تغيير الآراء و

بحث عن ادارة النقدية ( محمود عبود )

المحتويات 1_ مقدمة 2_ مفهوم السيولة النقدية وأهميتها 3_ دوافع الإحتفاظ بالنقدية 4_ تبويب التدفقات النقدية 5_ أهداف إدارة النقدية 6_ التخطيط النقدي وإعداد بيان التدفق النقدي :         *ماهيته         *مبرراته          * فترته         * العلاقة بين بيان التدفق النقدي والموازنة التخطيطية (التقديرية)         * أساليب إعداد بيان التدفق النقدي ( الموازنة النقدية التقديرية):                _ أسلوب قائمة المقبوضات والمدفوعات                _ أسلوب تعديل قائمة الدخل 7_ إدارة الإستثمارات المؤقتة : ·        ماهيتها ·        أهم الأدوات المستخدمة فيها  ·        أسس المفاضلة بين الإستثمارات المؤقتة ·        حدود الإستثمار في النقدية والإستثمارات المؤقتة  8_ الأساليب الكمية في تحديد الحجم الأمثل للنقدية الواجب الإحتفاظ بها:                 _ أسلوب نموذج الكمية الإقتصادية للمحزون السلعي                 _ نموذج حدود الرقابة (ميلر وأور ) 9_ تقييم كفاءة إدارة النقدية   10_ الخلاصة 11_ المراجع 1 -مقدمة: تعتبر إدارة النقدية إحدى أهم

شرح مبسط لفترة الاسترداد مع مثال

2- فترة الاسترداد :  ويقصد بها الفترة الزمنية التي تسترد خلالها التكلفة المبدئية من المتحصلات النقدية ، وتقوم هذه الطريقة  على أنه كلما استردت قيمة الاستثمار في وقت أقصر كلما كان الاستثمار مقبولا أكثر .  ويعبر عن فترة الاسترداد بعدد السنوات ، ويتم احتساب فترة الاسترداد حسب الحالات التالية  :         أ- حالة تساوي التدفقات النقدية الداخلية :        فترة الاسترداد =     إجمالي الاستثمار المطلوب                               صافي التدفقات النقدية الداخلة سنويا وتحسب فترة الاسترداد ، كما يتضح من المعادلة السابقة ، بقسمة قيمة الاستثمار على صافي التدفقات النقدية الداخلة السنوية التي يدرها هذا الاستثمار ، فإذا كانت آلة جديدة ستحل محل آلة قديمة فيجب الأخذ في الاعتبار القيمة التخريدية للتخلص من الآلة القديمة وبحيث تخصم من تكلفة الآلة الجديدة ، بالإضافة لذلك فإن أي مبالغ استقطعت مقابل الاستهلاك عند حساب صافي الدخل للاستثمار يجب إعادتها مرة أخرى حتى يمكن الحصول على صافي التدفق النقدي الداخل السنوي ، باعتبار الاستهلاك قيد دفتري لا يترتب عليه أي تدفقات نقدية خارجة .  مثال 1 :  تح