التخطي إلى المحتوى الرئيسي

أيضاً.. هل الحذر من صندوق النقد واجب أم مستحب؟ ( عبدالوهاب الفايز )

الأسبوع الماضي كان الحديث حول الحذر والخوف الذي تُستقبل به تصريحات مسؤولي وخبراء صندوق النقد الدولي، وكان آخرها دعوة كرستين لاجارد رئيسة الصندوق دول الخليج إلى المزيد من التقشف بالذات (خفض رواتب موظفي القطاع العام). التصريحات الصادرة عن الصندوق أصبحت تستدعي السجل الحافل للصندوق ودوره المحوري في إدارة الاقتصاد الدولي، ومنتقدو الصندوق يدعم موقفهم السلبي الحذر منه ما تركته سياسات وشروط الصندوق من آثار سلبية مدمرة على اقتصاديات العديد من الدول في أمريكا الجنوبية، وآسيا وأفريقيا، وحتى أوروبا حينما تقدم حالة يوغسلافيا قبل التفكك حيث أدى تدهور الوضع الاقتصادي إلى الحروب والدمار للاتحاد اليوغسلافي.
لقد ظل الصندوق محل اختلاف في تقييم الدور والأهداف منذ قيامه بعد مؤتمر (بريتون ودز) عام 1944، فهناك من يراه أداة ساعدت في استقرار النظام المالي العالمي لما بعد الحرب العالمية الثانية، وهناك من يرى أن دوره كان يخدم مصالح الدول العظمى بالذات أمريكا وحلفاؤها، ولَم يخدم الاستقرار المالي والاقتصادي للعديد من الدول في العالم، بل أسهم الصندوق في عدم الاستقرار السياسي، وبالتالي انهيار العديد من الدول في أفريقيا وآسيا بسبب شروط الصندوق القاسية التي يفرضها على الدول المنهارة مالياً الباحثة عن الملاذ الأخير للتمويل.
لقد دعت أمريكا إلى إقامة صندوق النقد الدولي والبنك الدولي للإنشاء والتعمير لمساعدة الدول على بناء اقتصاداتها بعد الحرب العالمية الثانية.. هكذا كانت الأهداف المعلنة، ولكن المؤرخين الذين تتبعوا عمل الصندوق يَرَوْن خلاف ذلك، ويقدمون موقف الدول الأوروبية التي تراجعت كثيراً في طلب القروض من الصندوق بعد موقفه من بريطانيا، أحد أقوى حلفاء أمريكا.
بريطانيا سبق أن عارضت اتفاقية بريتون ودز في مرحلتها الأولى، ولكنها قبلتها مكرهة عندما احتاجت التمويل (بحدود 4 مليارات) دولار بعد الحرب العالمية الثانية، ثم بعد ذلك قبلت حكومة هارولد ولسون العمالية في منتصف السبعينيات شروط الصندوق القاسية لخفض الإنفاق الحكومي وترشيد الدعم، مقابل الحصول على التمويل الذي كانت تحتاجه بشدة.
حالة تشيلي تقدم مثالاً بارزاً لخطورة دور الصندوق في الشأن الدولي، فقد فرض على تشيلي أقسى حالة تقشف اقتصادي حولت البلد إلى حاضن للفقراء، وقدمت درساً عملياً واضحاً على ارتباط المصالح السياسية لأمريكا ومؤسسات مالية واستثمارية خاصة بإدارة الصندوق وتوجيه سياساته وبرامجه.
لقد أسس الصندوق مبدأ إحداث التوازن المالي، وهذا أصبح أداة التدخل الفعالة في السيادة الوطنية للدول، ودعمها بخدمة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب وهي المساندة الفنية، أي الاستشارات والنصائح. وهنا تأتي خطورة الشركات الاستشارية المرتبطة بهيكل القيادة المركزية للنظام المالي العالمي الذي يتبنى الليبرالية الحديثة لإدارة الاقتصاد.
أخطر البرامج التي يلزم بها الصندوق الدول المقترضة هو (التخصيص)، بالذات الصحة والتعليم. هذه تركت آثاراً سلبية في العديد من دول العالم الثالث، وأدت إلى خفض مستوى مؤشرات التعليم والصحة بعكس ما تطلعت إليه الدول المقترضة أو استمعت نصائح الصندوق.
بعد هذه الدروس القاسية التي أصبحت حالات تدرس في فشل إدارة (اقتصاد الدولة) كما لو كان (اقتصاد شركة)، وبعد تنامي الوعي لدى النخب الاقتصادية الجديدة، وأيضاً بعد تراجع الدور الذي تمارسه الدول الموجهة للصندوق مثل نادي باريس، وبروز تكتلات جيوسياسية وجيواقتصادية جديدة، أصبح الصندوق يبدي الحذر من الدعوات المباشرة إلى الاعتبارات المالية التقليدية التي كان يبشر بها، فقد أصبح يقدم النصائح الفنية لأهمية الاعتبارات الاجتماعية وضرورة الانتباه لها.. مع دعم برامج الصحة والتعليم. كما أن هناك حالات دول رفضت دعم الصندوق وتدخله مثل تجربة ماليزيا في الأزمة المالية العالمية عام 1998 التي تسبب بها المضاربون في أسواق المال، فماليزيا خرجت متعافية بعد سنوات من الإدارة الحكيمة للاقتصاد والسياسة المالية، بينما رأينا إندونيسيا التي ركعت لشروط الصندوق ظلت سنوات طويلة تعاني المشكلات الاقتصادية.
ويبقى السؤال: هل الحذر من الصندوق ضروري، وكيف تعاملت بلادنا مع الصندوق في العقود الماضية؟ سؤال ينتظر الإجابة الأسبوع المقبل.

نقلا عن الجزيرة

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدعاية, مفهومها,نشأتها, أهميتها ( علاء درويش )

v تعريف الدعاية : لما كانت الدعاية من الكلمات التي لم يتم الاتفاق على مفهومها حتى الآن ونظراً لما عانته من استخدامات معقدة في أنظمة مختلفة تسببت في تشويه الكلمة وتغيير دلالتها فإنه ينبغي علينا كباحثين أن نسعى إلى التوضيح ونبعد عن الغموض [1]   . فهنالك الكثير من التعاريف سوف نعرض بعضها فيما يلي : الدعاية في الاصطلاح : هي التأثير على سلوك الآخرين ومعتقداتهم بواسطة الاستخدام الانتقائي المدروس للرموز ونشرها سواء أكانت الرموز لفظية أم سمعية , أم بصرية أم إدراكية والتركيز على الكلمة المنحوتة أم المقروءة المسموعة أم مصورة أم مرئية [2] . كما تعرف الدعاية في دائرة المعارف الأمريكية بأنها جهود يتوفر فيها عامل التعمد والقصد في العرض والتأثير وهي جهود منظمة مقصودة للتأثير في الغير وفق خطة موضوعة مسبقاً لإقناعه بفكرة أو سلعة أو رأي بهدف تغيير سلوكه وتعمد إحداث تأثير على الآراء و الاتجاهات والمعتقدات على نطاق واسع عن طريق الرموز و الكلمات و الصور وإيماءاتها المختلفة , ولهذا التأثير المتعمد جانبان : جانب إيجابي يهدف إلى غرس بعض الآراء والاتجاهات , وجانب سلبي يعمل على إضعاف أو تغيير الآراء و

بحث عن ادارة النقدية ( محمود عبود )

المحتويات 1_ مقدمة 2_ مفهوم السيولة النقدية وأهميتها 3_ دوافع الإحتفاظ بالنقدية 4_ تبويب التدفقات النقدية 5_ أهداف إدارة النقدية 6_ التخطيط النقدي وإعداد بيان التدفق النقدي :         *ماهيته         *مبرراته          * فترته         * العلاقة بين بيان التدفق النقدي والموازنة التخطيطية (التقديرية)         * أساليب إعداد بيان التدفق النقدي ( الموازنة النقدية التقديرية):                _ أسلوب قائمة المقبوضات والمدفوعات                _ أسلوب تعديل قائمة الدخل 7_ إدارة الإستثمارات المؤقتة : ·        ماهيتها ·        أهم الأدوات المستخدمة فيها  ·        أسس المفاضلة بين الإستثمارات المؤقتة ·        حدود الإستثمار في النقدية والإستثمارات المؤقتة  8_ الأساليب الكمية في تحديد الحجم الأمثل للنقدية الواجب الإحتفاظ بها:                 _ أسلوب نموذج الكمية الإقتصادية للمحزون السلعي                 _ نموذج حدود الرقابة (ميلر وأور ) 9_ تقييم كفاءة إدارة النقدية   10_ الخلاصة 11_ المراجع 1 -مقدمة: تعتبر إدارة النقدية إحدى أهم

شرح مبسط لفترة الاسترداد مع مثال

2- فترة الاسترداد :  ويقصد بها الفترة الزمنية التي تسترد خلالها التكلفة المبدئية من المتحصلات النقدية ، وتقوم هذه الطريقة  على أنه كلما استردت قيمة الاستثمار في وقت أقصر كلما كان الاستثمار مقبولا أكثر .  ويعبر عن فترة الاسترداد بعدد السنوات ، ويتم احتساب فترة الاسترداد حسب الحالات التالية  :         أ- حالة تساوي التدفقات النقدية الداخلية :        فترة الاسترداد =     إجمالي الاستثمار المطلوب                               صافي التدفقات النقدية الداخلة سنويا وتحسب فترة الاسترداد ، كما يتضح من المعادلة السابقة ، بقسمة قيمة الاستثمار على صافي التدفقات النقدية الداخلة السنوية التي يدرها هذا الاستثمار ، فإذا كانت آلة جديدة ستحل محل آلة قديمة فيجب الأخذ في الاعتبار القيمة التخريدية للتخلص من الآلة القديمة وبحيث تخصم من تكلفة الآلة الجديدة ، بالإضافة لذلك فإن أي مبالغ استقطعت مقابل الاستهلاك عند حساب صافي الدخل للاستثمار يجب إعادتها مرة أخرى حتى يمكن الحصول على صافي التدفق النقدي الداخل السنوي ، باعتبار الاستهلاك قيد دفتري لا يترتب عليه أي تدفقات نقدية خارجة .  مثال 1 :  تح