التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مصادر نمو الاقتصاد .. أو كيف ينمو؟ د. صالح السلطان

تعد عادة العوامل التالية الموارد الطبيعية والموارد البشرية وتكوين رأس المال والتطور التقني وطبيعة البنية المؤسسية في الدولة أهم مصادر نمو الاقتصاد. ويعني النمو الاقتصادي وجود تحسن مستمر في قدرة الاقتصاد على تلبية طلب الناس من السلع والخدمات. وهذا التحسن يعتمد ضمن ما يعتمد على زيادة الإنتاج وإنتاجية مصادر النمو. وهناك أكثر من تصور للنمو الاقتصادي وطرق قياسه. وغالبا يقصد بكلمة نمو المعنى الأولي وهو زيادة حجم الاقتصاد كما تقيسه الهيئات الإحصائية، بغض النظر عن ماهية وأسباب هذه الزيادة. ولا يعني ذلك التغاضي عن الماهية والأسباب، ولكن بحث هذه الأمور يأتي ضمن التعرف على قدرة الاقتصاد الإنتاجية على المدى البعيد في تحقيق نمو. ويقاس النمو بمعناه الأولي بطريقتين، أذكرهما دون تفاصيل: طريقة الطلب وتعني مجموع الإنفاق على السلع والخدمات المشتراة. وطريقة العرض وتعني مجموع السلع والخدمات المنتجة. وإذا أخذنا الاقتصاد السعودي على سبيل المثال، فمعروف أنه نما كثيرا خلال السنوات الـ60 الماضية، من شبه عدم، فقد كان البناء الاقتصادي بدائيا جدا. لكن الإنفاق الحكومي المعتمد على إيرادات النفط كان المحرك لهذا التطور والنمو خلال عقود، من خلال تشغيل عوامل الإنتاج من رأسمال وأرض ويد عاملة. وقد أجريت عدة دراسات عن فترات ودلت على أن كثافة الصادرات من المواد الأولية تضعف النمو الاقتصادي. ومن ثم فالتحدي أن تعمل وتنمو عوامل الإنتاج بمعزل أو باعتماد ضعيف على دخل النفط. لا تقتصر الموارد الطبيعية على ثروات من قبيل النفط وغيره من المعادن، بل المعنى أعم فيشمل كل مورد لم يصنعه أصلا الإنسان، ومنها الأرض وخصائصها وما فيها من موارد طبيعية. وتوافر الموارد الطبيعية لذاته، لا يضمن طبعا تحقيق نمو اقتصادي. ثلاثة عناصر تحدد مساهمة الموارد البشرية في النمو: عددهم ومهاراتهم وأداؤهم. وكل عامل يساعد على تحسين هذه العناصر فهو تلقائيا يساعد على نمو الاقتصاد. أما تكوين رأس المال فيشمل كل بنية رأسمالية. المصانع والطرق ومحطات الكهرباء والبنية التحتية أمثلة. تكوين رأس المال يتطلب ضمن ما يتطلب التضحية بجزء معتبر من الموارد السنوية لاستخدامها في بناء رأسمالي بدلا من الاستهلاك. ولذا يلاحظ أن الدول التي تحقق نموا قويا تخصص جزءا كبيرا من مواردها وإنتاجها للاستثمار بغرض زيادة تكوين رأس المال. والعكس يؤدي إلى العكس. أي أن ضعف ما يخصص للاستثمار يضعف النمو الاقتصادي. العنصر الرابع من عناصر نمو الاقتصاد هو التغير والتطور التقني. أما العنصر الخامس البنية المؤسسية فتعني طبيعة بناء الدولة ومدى استقرار نظامها السياسي وطبيعة وجودة إدارتها الحكومية وأنظمتها وتنظيماتها ونحو ذلك. وأخصص بقية المقال لعرض نقاط حول المحرك لنمو غير القطاع النفطي في الاقتصاد السعودي. إن المحرك هي عوامل الإنتاج من موارد بشرية وتكوين رأسمالي وتحسن في البنية والتقنية. يلاحظ أن تأثير إنتاجية عوامل الإنتاج في نمو الاقتصاد أقل مما يفترض أو ينبغي أن يكون. ولتسهيل الفهم يطلق الاقتصاديون مسمى إنتاجية على مدى كفاءة وحسن الاستفادة من رأس المال واليد العاملة في عملية الإنتاج. وللإنتاجية طرق تقاس بها في البحوث والدراسات. انطلاقا من وجود مشكلة ضعف نسبي في الإنتاجية، فإن السؤال التالي كيف نحسنها؟ أدوات ووسائل التحسين كثيرة، أذكر منها عناوين على سبيل التمثيل لا الحصر: إصلاح التعليم والتدريب بما يؤدي إلى رفع مهارات وإنتاجية الخريجين ــ مكافحة الفساد ــ تحسين أنظمة وسياسات وبرامج الخدمة المدنية بما يحسن الأداء والإنتاجية ــ الخصخصة بشرط وجود إطار حوكمة قوي في العمليات ذات الطابع التجاري التي تدار حكوميا في الوقت الحاضر ــ تحسين مناخ الاستثمار وممارسة الأعمال بصورة عامة ــ مدى جودة التنظيمات الحكومية ومدى قناعة الناس بذلك. تحسين مناخ الاستثمار وممارسة الأعمال، على سبيل المثال، يحتاج إلى تدرج ضمن حدود طبعا في تطبيق برامج التوازن المالي وفي إصلاح العيوب القائمة في البناء الاقتصادي وما يحكمه من ضوابط وتنظيمات. كما ينبغي زيادة التنسيق والتعاون بين أجهزة الدولة في تطوير وتطبيق برامجها. من المتطلبات التي بدئ أو سيبدأ بها التوسع في المدن الصناعية والتقنية. من جهة اليد العاملة، مطلوب زيادة الاهتمام بالتدريب والتوسع في توفير وسائط النقل العامة، بما يقلل تكلفة اليد العاملة للوصول إلى أماكن العمل. وهناك نقاط كثيرة لها علاقة برفع إنتاجية الموارد البشرية. لكنني سأتعرض إلى نقطة أساسية دون تفاصيل. تعتمد إنتاجية الموارد البشرية، ضمن ما تعتمد على بنية القيم الاجتماعية والسلوكية في المجتمع. تمثل تلك البنية أهمية كبيرة في تفسير التغيرات والفروقات في الأداء الاقتصادي بين الدول. وهناك نقاش عميق حول القيم المدنية والثقافة المجتمعية في أي مجتمع في التأثير في الأداء الاقتصادي، وفي أداء المنظمات الحكومية وغير الحكومية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الدعاية, مفهومها,نشأتها, أهميتها ( علاء درويش )

v تعريف الدعاية : لما كانت الدعاية من الكلمات التي لم يتم الاتفاق على مفهومها حتى الآن ونظراً لما عانته من استخدامات معقدة في أنظمة مختلفة تسببت في تشويه الكلمة وتغيير دلالتها فإنه ينبغي علينا كباحثين أن نسعى إلى التوضيح ونبعد عن الغموض [1]   . فهنالك الكثير من التعاريف سوف نعرض بعضها فيما يلي : الدعاية في الاصطلاح : هي التأثير على سلوك الآخرين ومعتقداتهم بواسطة الاستخدام الانتقائي المدروس للرموز ونشرها سواء أكانت الرموز لفظية أم سمعية , أم بصرية أم إدراكية والتركيز على الكلمة المنحوتة أم المقروءة المسموعة أم مصورة أم مرئية [2] . كما تعرف الدعاية في دائرة المعارف الأمريكية بأنها جهود يتوفر فيها عامل التعمد والقصد في العرض والتأثير وهي جهود منظمة مقصودة للتأثير في الغير وفق خطة موضوعة مسبقاً لإقناعه بفكرة أو سلعة أو رأي بهدف تغيير سلوكه وتعمد إحداث تأثير على الآراء و الاتجاهات والمعتقدات على نطاق واسع عن طريق الرموز و الكلمات و الصور وإيماءاتها المختلفة , ولهذا التأثير المتعمد جانبان : جانب إيجابي يهدف إلى غرس بعض الآراء والاتجاهات , وجانب سلبي يعمل على إضعاف أو تغيير الآراء و

بحث عن ادارة النقدية ( محمود عبود )

المحتويات 1_ مقدمة 2_ مفهوم السيولة النقدية وأهميتها 3_ دوافع الإحتفاظ بالنقدية 4_ تبويب التدفقات النقدية 5_ أهداف إدارة النقدية 6_ التخطيط النقدي وإعداد بيان التدفق النقدي :         *ماهيته         *مبرراته          * فترته         * العلاقة بين بيان التدفق النقدي والموازنة التخطيطية (التقديرية)         * أساليب إعداد بيان التدفق النقدي ( الموازنة النقدية التقديرية):                _ أسلوب قائمة المقبوضات والمدفوعات                _ أسلوب تعديل قائمة الدخل 7_ إدارة الإستثمارات المؤقتة : ·        ماهيتها ·        أهم الأدوات المستخدمة فيها  ·        أسس المفاضلة بين الإستثمارات المؤقتة ·        حدود الإستثمار في النقدية والإستثمارات المؤقتة  8_ الأساليب الكمية في تحديد الحجم الأمثل للنقدية الواجب الإحتفاظ بها:                 _ أسلوب نموذج الكمية الإقتصادية للمحزون السلعي                 _ نموذج حدود الرقابة (ميلر وأور ) 9_ تقييم كفاءة إدارة النقدية   10_ الخلاصة 11_ المراجع 1 -مقدمة: تعتبر إدارة النقدية إحدى أهم

شرح مبسط لفترة الاسترداد مع مثال

2- فترة الاسترداد :  ويقصد بها الفترة الزمنية التي تسترد خلالها التكلفة المبدئية من المتحصلات النقدية ، وتقوم هذه الطريقة  على أنه كلما استردت قيمة الاستثمار في وقت أقصر كلما كان الاستثمار مقبولا أكثر .  ويعبر عن فترة الاسترداد بعدد السنوات ، ويتم احتساب فترة الاسترداد حسب الحالات التالية  :         أ- حالة تساوي التدفقات النقدية الداخلية :        فترة الاسترداد =     إجمالي الاستثمار المطلوب                               صافي التدفقات النقدية الداخلة سنويا وتحسب فترة الاسترداد ، كما يتضح من المعادلة السابقة ، بقسمة قيمة الاستثمار على صافي التدفقات النقدية الداخلة السنوية التي يدرها هذا الاستثمار ، فإذا كانت آلة جديدة ستحل محل آلة قديمة فيجب الأخذ في الاعتبار القيمة التخريدية للتخلص من الآلة القديمة وبحيث تخصم من تكلفة الآلة الجديدة ، بالإضافة لذلك فإن أي مبالغ استقطعت مقابل الاستهلاك عند حساب صافي الدخل للاستثمار يجب إعادتها مرة أخرى حتى يمكن الحصول على صافي التدفق النقدي الداخل السنوي ، باعتبار الاستهلاك قيد دفتري لا يترتب عليه أي تدفقات نقدية خارجة .  مثال 1 :  تح